بسم الله الرحمان الرحيم
نلتقي مع الحلقة الثانية من أطفالنا وحب الرسول صلى الله عليه وسلم
ج-
مرحلة ما بين السابعة والعاشرة:
في هذه المرحلة يمكننا أن نحكي لهم مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال،وحبه لهم ، ورحمته بهم،واحترامه لهم،وملاطفته ومداعبته لهم...وهي مواقف كثيرة فيما يلي نذكر بعضها،مع ملاحظة أن البنت سوف تفضل حكاياته مع البنات،والعكس؛ولكن في جميع الأحوال يجب أن يعرفونها كلها؛ فالقصص تحدث آثاراً عميقة في نفوس الأطفال وتجعلهم مستعدين لتقليد أبطالها.
أ- موقفه مع حفيديه الحسن والحسين،حيث كان صلى الله عليه وسلم يحبهما ويلاعبهما ويحنو عليهما،وفيما يلي بعض المواقف لهما مع خير جد)( 20)
*"عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال:"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً،فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم،فوضعه ثم كبَّر للصلاة فصلى،فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر الرسول الكريم،وهو ساجد،فرجعت إلى سجودي؛ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة،قال الناس:" يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يُوحى إليك،فقال :"كل ذلك لم يكن،ولكن ابني ارتحلني ،فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته"!!!
* عن عبد الله بن بريدة،عن أبيه،قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران،فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما،ووضعهما بين يديه،ثم قال:"صدق الله<إنما أموالُكم وأولادُكم فتنة>،فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ،فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما"
*** روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:" قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده "الأقرع بن حابس التميمي "جالس، فقال الأقرع:"إن لي عشرة من الولد، ماقبَّلت منهم أحداً"،فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال:"مَن لا يَرحم لا يُرحم"، وروت عائشة رضي الله عنها أن أعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"أتقبِّلون صبيانكم؟! فما نقبِّلهم"،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أو أملِك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟"
**** وكان صلى الله عليه وسلم يتواضع للأولاد عامة، ولأولاده خاصة،فكان يحمل الحسن رضي الله عنه على كتفه الشريفة، ويضاحكه ويقبله، ويريه أنه يريد أن يمسك به وهو يلعب ،فيفر الحسن هنا وهناك ،ثم يمسكه النبي صلى الله عليه وسلم . وكان يضع في فمه الشريف قليلاً من الماء البارد ،ويمجه في وجه الحسن ،فيضحك، وكان صلى الله عليه وسلم يُخرج لسانه للحسين،فإذا رآه أخذ يضحك .
***** ومن تمام حبه لهما وحرصه على مصلحتهما أنه كان يؤدبهما بلطف مع بيان السبب ،فقد روي أبو هريرة قائلا:"أخذ الحسن بن علي رضي الله تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كخ ،كخ،إرم بها،أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة ؟"
ب- و موقفه مع أخٍ أصغر لأنس بن مالك،وكان يُدعى "أباعمير"، حين علم أنه اشترى عصفوراً،وكان شديد الفرح به ،فكان-صلى الله عليه وسلم- يداعبه كلما رآه قائلاً:"يا أبا عمير مافعل النغير؟" - والنغير صيغة لتصغير "النُغََّّر"،وهو العصفور الصغير- وذات مرة كان صلى الله عليه وسلم يمشي في السوق فرآه يبكي، فسأله عن السبب ،فقال له:"مات النغير يا رسول الله"،فظل صلى الله عليه وسلم يداعبه، ويحادثه ،ويلاعبه حتى ضحك،فمر الصحابة بهما فسألا الرسول صلى الله عليه وسلم عما أجلسه معه، فقال لهم:"مات النغير،فجلست أواسي أبا عمير"!!!
ج- رحمته صلى الله عليه وسلم ( لبكاء الصبي في الصلاة، حتى أنه كان يخففها،فعن أنس رضي الله عنه قال:" ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم،وإن كان ليسمع بكاء الصبي ،فيخفف عنه مخافة أن تُفتن أمه"،ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه،فيقول:"إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها،فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكاءه")(21)
هــ -" إصطحابه صلى الله عليه وسلم الأطفال للصلاة و مسحه خدودهم ، رحمة وإعجاباً وتشجيعاً لهم،فعن جابر بن أبي سمرة رضي الله عنه قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى- أي الظهر- ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدَّي أحدهم واحداً واحداً،قال: "وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها صلى الله عليه وسلم من جونة عطار"!!(22)
ز- إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الهدايا للأطفال،" فقد روى مسلم عن أبي هريرة قال:" كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه قال:" اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مُدِّنا"، ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر!!!
و- صلاته صلى الله عليه وسلم وهو يحملهم، فقد ثبت في الصحيحين عن "قتادة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله ،وهي لأبي العاص بن الربيع،فإذا قام حملها،وإذا سجد وضعها،فلما سلَّم حملها .
ز- إحترامه-صلى الله عليه وسلم- للأطفال ، ودعوته لعدم الكذب عليهم، فقد كان( الصغار يحضرون مجالس العلم والذكر معه،حتى كان أحد الغلمان ذات يوم يجلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم،وعلى يساره الأشياخ،فلما أتى النبي بشراب شرب منه ،ثم قال للغلام:"أتأذن لي ان أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام:" لا يا رسول الله ، لا أوثر بنصيبي منك أحداً،فأعطاه له النبي صلى الله عليه وسلم)!! (23)
وعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه ،قال:"دعتني أمي ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطك"،فقال لها صلى الله عليه وسلم:" ما أردت أن تعطيه؟" قالت "أعطيه تمرا" ، فقال لها أما أنك لو لم تعطِه شيئا كُتبت عليك كذبة"
ح- وصيته صلى الله عليه وسلم بالبنات-حيث كان العرب يئدونهن في الجاهلية- قائلاً:" من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن، وضرائهن،وسرائهن دخل الجنة" فقال رجل :"و ثنتان يا رسول الله؟" قال:" و ثنتان"،فقال آخر:" وواحدة؟" قال: "وواحدة")(24)
ز- حرصه صلى الله عليه وسلم على إرشادهم إلى الصواب وتصحيح مفاهيمهم وأخطائهم بالحكمة،وبصورة عملية لاستئصال الخطأ من جذوره ؛ ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
أن أحد أصحابه- صلى الله عليه وسلم- وكان مولى من أهل فارس قال : "شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أُحد فضربت رجلاً من المشركين فقلت:"خذها مني وأنا الغلام الفارسي،فالتفت إليَّ النبي وقال:"هلا قلت خذها مني وأنا الغلام الأنصاري؟"
وهذا عبد الله بن عمر حين لم يكن يقوم الليل،فقال أمامه الرسول صلى الله عليه وسلم:"نِعم الرجل عبد الله، لوكان يصلي من الليل! فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا"
ح- تعليمه صلى الله عليه وسلم لهم حفظ الأسرار،"فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال:"أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ،فأسر إلىَّّ حديثا لا أحدث به أحداً من الناس" (25)
ط- رفقه بخادمه "أنس بن مالك" رضي الله عنه،حيث كان يناديه ب"يا بُني" أو" يا أُنيس"-وهي صيغة تصغير للتدليل- يقول أنس:" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين،والله ما قال لي أف، ولا لِم صنعت ؟ ولا ألا صنعت؟"(26)
ك- (عقده صلى الله عليه وسلم المسابقات بين الأطفال لينشِّط عقولهم ،وينمِّي مواهبهم ويرفع همَّتهم، ويعزِّز طاقاتهم المخبوءة، فقد تصارع "سمرة"، و"رافع" رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرادا الاشتراك في جهاد الأعداء فردهما رسول الله لصغر سنهما،فزكى الصحابة "سمرة" لأنه يحسن الرمي، فأجازه صلى الله عليه وسلم، فقال "رافع" أنه يصارعه- أي أنه أقوى منه- رغم أنه لا يحسن الرمي،فطلب الرسول الكريم منه أن يصارعه، فدخلا معًا مباراة للمصارعة فصرعه رافع، فأجازهما رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
ل- رحمته- صلى الله عليه وسلم- بالحيوان،ومن الأمثلة على ذلك:
* قصته مع الغزالة، فقد روي عن أنس بن مالك انه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط فقالت: يا رسول الله إني أُخذت ولي خشفان(رضيعان) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم فقال: "أين صاحب هذه؟" فقال القوم: نحن يا رسول الله"، قال: "خلُّوا عنها حتى تأتى خشفيها ترضعهما وترجع إليكم"، فقالوا من لنا بذلك؟ قال "أنا" فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراها منهم وأطلقها.
** وقصته مع (الجمل الذي رآه صلى الله عليه وسلم حين دخل بستاناً لرجل من الأنصار،فإذا فيه جمل فما إن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حتى حنَّ وذرفت عيناه فأتاه الرسول الكريم فمسح ذفراه فسكت،،فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من رب هذا الجمل؟"
فقال فتى من الأنصار:" أنا يا رسول الله ، فقال له:" ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي أملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلي انك تجيعه وتدئبه"(27)
*** وهذا جمل آخر( كانت تركبه السيدة عائشة رضي الله عنها لتروِّضه،فجعلت تذهب به وتجيء ، فأتعبته، فقال لها صلى الله عليه وسلم:" عليك بالرفق يا عائشة")(28)
... وهكذا إلى آخر الحكايات المروية عنه صلى الله عليه وسلم المتاحة بكتب السيرة المعروفة،مما يناسب هذه المرحلة العمرية.
وإذا استطعنا أن نصحب طفلنا معنا لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد التمهيد له عن آداب المسجد - وخاصة المسجد النبوي والمسجد الحرام- وبعد أن نوضح له أ ن الله تعالى يرد عليه روحه حين نصلي عليه، ليرد علينا السلام؛ونوضح له أننا حين ندعو ونحن بجوار القبر الشريف يجب أن نكون متوجهين للقبلة ،فالمسلم لا يدعو إلا الله،ولا يرجو سواه.
كما نعرِّفه فضل الروضة الشريفة، ثم نحرص على أن نصحبه ليقضي بها ماشاء الله له.... فنحن نتكلف الكثير من أجل تعليم أولادنا- لضمان مستقبلهم الدنيوي- والترفيه عنهم،وكسوتهم... إلخ وفي رأي كاتبة هذه السطور أن هذه الزيارة لا تقل أهمية عن كل ذلك ؛ فهي تعلِّمه وترفع من معنوياته، وتزيده قربا من الله و رسوله ،ومن ثمَّ تؤمن له مستقبله في الآخرة عن شاء الله!
وقد ثبت بالتجربة أن هذه الزيارة إذا كانت في المراحل الأولى من عمر الطفل ، فإنها تكون أشد تأثيراً وثباتاً في نفس الطفل، بل وأكثر معونة له على الشيطان،وعلى الالتزام بتعاليم الدين في بقية عمره؛هذا إن أحسن الوالدان التصرف معه أثناء هذه الرحلة المباركة، وساعداه على أن يعود منها بذكريات سعيدة بالنسبة له كطفل.
وإذا أوضحنا له أن هذه الزيارة مكافأة له على نجاحه مثلاً، أو لحسن خُلُقه، أو غير ذلك كان التأثير أبلغ،وكان ذلك أعون له على مواصلة ما كافأناه من أجله.
ومما يعين أيضاً على حبه صلى الله عليه وسلم أن نكافئ الطفل على صلاته على النبي عشر مرات- مثلا - قبل النوم، وبعد الصلاة ،وعندما يشعر بضيق أو حزن...حتى يتعود ذلك.
منقول لتميم الفائدة
-يتبع-